پایگاه خبری تحلیلی شرق سایت خبری تحلیلی شرق Related Articles
لما رواه الشیخ الصدوق فی کتابه (کمال الدین)، والشیخ الطوسی فی کتابه (الغیبه)، عن الحسن بن أحمد المکتَّب (رضی الله عنه) _ کان من أجلاّء علماء الإمامیّه _، یقول فی آخر سنه وفی آخر شهر من حیاه السفیر الرابع وهو (علی بن محمّد السمری) آخر سفراء الإمام المنتظر خرج إلیه توقیع من الإمام المنتظر (علیه السلام):
(بـِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِیم، یَا عَلِیَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُریَّ أعْظَمَ اللهُ أجْرَ إِخْوَانـِکَ فِیکَ، فَإنَّکَ مَیَّتٌ مَا بَیْنَکَ وَبَیْنَ سِتَّهِ أیَّام فَأجْمِعْ أمْرَکَ وَلاَ تُوص إِلَى أحَدٍ یَقُومَ مَقَامَکَ بَعْدَ وَفَاتِکَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَیْبَهُ التَّامَّهُ فَلاَ ظُهُورَ إِلاَّ بَعْدَ إِذْن اللهِ عز وجل وَذَلِکَ بَعْدَ طُولِ الأمَدِ وَقَسْوَهِ الْقُلُوبِ وَامْتِلاَءِ الأرْض جَوْراً، وَسَیَأتِی شِیعَتِی مَنْ یَدَّعِی الْمُشَاهَدَهَ ألاَ فَمَن ادَّعَى الْمُشَاهَدَهَ قَبْلَ خُرُوج السُّفْیَانِیّ وَالصَّیْحَهِ فَهُوَ کَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّهَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِیّ الْعَظِیم), حیث یستفاد منه أنَّ لقاء الإمام ممتنع لأنَّه یقول: (من ادَّعى المشاهده فهو کاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّه إلاَّ بالله).
الجواب: الأمر لیس کذلک لعدّه أمور:
• الأمر الأوّل: إنَّ غیبه الإمام لیست غیبه انعزالیه وإنَّما هی غیبه اتّصالیه بمعنى أنَّ الإمام لیس غائباً عن المجتمع ویعیش فی جبل أو فی جزیره أو فی مکان وحده، لا، لیس الأمر کذلک، فغیبه الإمام غیبه اتّصالیه، بمعنى أنَّ الغائب عنوانه لا شخصه، فهو یعیش مع الناس، یأکل معهم، یشرب معهم، وقد یتزوَّج، هو بین ظهرانینا لکنّا لا نعرف عنوانه، فغیبته غیبه اتّصالیه ولیست غیبه انعزالیه،
ولذلک نقرأ فی دعاء الندبه: (بِنَفْسِی أنْتَ مِنْ مُغَیَّبٍ لَمْ یَخْلُ مِنَّا، بِنَفْسِی أنْتَ مِنْ نَازِح مَا نَزَحَ عَنَّا، بِنَفْسِی أنْتَ اُمْنِیَّهُ شَائِقٍ یَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَهٍ ذَکَرَا فَحَنَّا),
إذن غیبته هی غیبه عنوان لا غیبه شخص فهو متَّصل بنا یعیش معنا، ولذلک فإنَّ لقائه أمر ممکن جدَّاً وأمر متیسّر إذا أراد الإمام ذلک فإنَّ بیده تحدید اللقاء ولیس بأیدینا.
• الأمر الثانی: تواتر لدى الشیعه الإمامیّه لقاء الإمام مع کثیر من العلماء بنحو یورث القطع والیقین بأنَّ لقائه ممکن ولیس باباً مغلقاً ولا مسدود.
• الأمر الثالث: هذا التوقیع الشریف الذی قال:
(ألا فمن ادّعى المشاهده قبل خروج السفیانی والصیحه فهو کاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّه إلاَّ بالله)، یتحدَّث عن السفاره لا عن اللقاء، فالممتنع هو السفاره بمعنى أنَّه بعد السفیر الرابع لا توجد سفاره إلى أن یخرج الإمام ویظهر ظهوراً تامّاً،
فالمغلق هو السفاره لا اللقاء، والقرینه على ذلک سیاق الروایه لأنَّها تتکلَّم عن کتاب إلى سفیر الإمام تقول: أنت آخر سفیر ولا توص لأحد من بعدک، قد وقعت الغیبه التامّه، وسیأتی شیعتی من یدَّعی المشاهده بمعنى (من یدَّعی السفاره)، فمن ادّعى المشاهده یعنی السفاره فهو کاذب مفتر,
والسفیر یختلف عن الإنسان العادی، فإنَّ المواطن یعرف بعض أخبار الدوله لکن سفیرها یعرف أسرارها ویعرف سیاستها الداخلیه والخارجیه ویناط به البحث فی قضایا مصیریه وخطیره.
والإمام المنتظر یقول: (لا سفیر لی بعد السفیر الرابع) یعنی لا أبعث للأمّه سفیراً یعرف أسراری ویبلغ الأمّه القضایا المصیریه والخطیره فهذا باب مسدود، أمَّا أن یلتقی الإنسان بالإمام ویستنیر بأنواره وبإرشاداته فهو أمر ممکن ولیست سفاره حتَّى ینفیها هذا الحدیث.
وإن کان الإمام (علیه السلام) لا یبذل لقائه لکلّ أحد، بل هو الذی یختار من یلتقی به لمصلحه عامّه أو خاصّه، وإلاَّ لو بذل الإمام لقائه لأیّ شخص لکان ذلک خلاف الحکمه أی نقضاً للغرض من هذا اللقاء، لأنَّه (علیه السلام) لا یلتقی بشخص إلاَّ لأجل مصلحه عامّه أو خاصّه تقتضی هذا اللقاء، فلا بدَّ أن یکون الملاقی أهلاً لهذا اللقاء ولتحقیق هذه المصلحه العامّه أو الخاصّه.
۲. السؤال الثانی: ما هی طبیعه لقاء الإمام (علیه السلام)
لقاء الإمام هو لقاء الله لأنَّ الإمام مظهر لله، فلقاء الإمام یعنی لقاء الله عز وجل، وهو لقاء
الفناء لا لقاء الارتباط کما یعبَّر عنه فی مصطلح علم الفلسفه, إذ هناک فرق بین العلاقه الارتباطیه والعلاقه الفنائیه :
ولتقریب الفکره نضرب مثلاً:
إذا وضعت عسلاً فی کأس حلیب، فالحلیب مع العسل یسمّى (علاقه ارتباطیه) إذ ما زلت عندما تشرب الحلیب تشعر أنَّ هناک حلیباً وأنَّ هناک عسلاً، یعنی هناک وجودان ارتبط أحدهما بالآخر،
بینما إذا صهر الذهب مع معدن آخر وأصبح ماده واحده فهذه تسمّى (علاقه فنائیه)، لأنَّک لا تشعر بأنَّ هناک شیئین، بل ماده واحده، بینما علاقه الامتزاج بین الحلیب والعسل علاقه ارتباطیه لا فنائیه، هذا بلحاظ الوجود الخارجی وکذلک بلحاظ الوجود الذهنی ویحصل بالتأمّل فی علاقه الاسم بالمسمّى،
مثلاً: إذا جیء لی بولد وأسمیته نادر فعندما یقول لی واحد من الناس: نادر، لا یتبادر ذهنی إلى الولد لأنّی لم أتعوَّد على ذلک, فأشعر بأنَّ هناک وجودین وجود للولد وهو ابنی ووجود للحروف، لکن إذا مرَّت الأیّام واعتدت على الاسم فبمجرَّد أن یقال لی: نادر، ینتقل ذهنی إلى ولدی ولا أشعر بالحروف أبداً، وهذه تسمّى (علاقه فنائیه) فناء الاسم فی المسمّى،
فالعلاقه بین الاسم وبین المسمّى فی أوّل أیّام الولاده کانت ارتباطیه ربط الاسم بالمسمّى، لکن بمرور الوقت تحوَّلت العلاقه من علاقه ارتباطیه إلى علاقه فنائیه، ولا تشعر بالاسم أبداً،
وهکذا لقاؤنا مع الله یجب أن یکون لقاء فناء بحیث نشعر أن لیس هناک وجودان وجود لنا ووجود لله، ولا نشعر إلاَّ بوجود الله، هذا ما یسمّى بالعلاقه الفنائیه،
واللقاء الفنائی أن یصل الإنسان إلى حدّ الإحساس بحضور الله،
فالقرآن الکریم یعبّر عن العلاقه الفنائیه عندما یقول:
(إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ) (الفتح: ۱۰)، حیث یشعر الإنسان أنَّ ید الله تلامس یده، ویقول تعالى: (أَلَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ یَقْبَلُ التَّوْبَهَ عَنْ عِبادِهِ وَیَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) (التوبه: ۱۰۴)، بحیث نصل إلى الشعور بأنَّ الله هو الذی یأخذ صدقاتنا منّا، وقال تعالى فی آیه ثالثه: (لَنْ یَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلکِنْ یَنالُهُ التَّقْوى مِنْکُمْ) (الحجّ: ۳۷).
فالمطلوب فی لقائنا مع الله أن یکون لقاء الفناء أی أن لا نشعر بأنفسنا، بل لا نشعر إلاَّ بوجود الله، وهذا ما تحدَّث عنه الإمام الحسین (علیه السلام) فی دعاء یوم عرفه: (مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِیلٍ یَدُلُّ عَلَیْکَ، وَمَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَکُونَ الآثَارُ هِیَ الَّتِی تُوصِلُ إِلَیْکَ، عَمِیَتْ عَیْنٌ لا تَرَاکَ عَلَیْهَا رَقِیباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَهُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبَّکَ نَصِیباً).
۳. السؤال الثالث: هل یرید الإمام (علیه السلام) لقاءنا؟
إنَّ علماء العرفان یقولون: هناک فرق بین :
• لقاء الأنس
• ولقاء التشریف,
والفرق بینهما هو أنَّ لقاء التشریف بمعنى أن یمنَّ علیَّ الإمام(علیه السلام) ویرینی طلعته الرشیده وغرَّته الحمیده کما جاء فی الدعاء: (اللَّهُمَّ أرِنی الطَّلْعَهَ الرَّشِیدَهَ، وَالْغُرَّهَ الْحَمِیدَهَ، وَاکْحُلْ نَاظِری بِنَظْرَهٍ مِنّی إِلَیْهِ، وَعَجَّلْ فَرَجَهُ )،
لکن الإمام لا یرید ذلک, بل الإمام یرید لقاء الأنس، وکیف یلتقی بنا الإمام لقاء الأنس إذا لم نکن أهلاً لإیناس الإمام, ولم نکن أهلاً لتفریح قلب الإمام،
إذن الإمام یرید شیئاً ونحن نرید شیئاً، نحن نرید أن نبقى على ذنوبنا ومعاصینا وعلى الإمام أن یشرّفنا بلقائه ویکرمنا بطلعته والإمام ینادینا: أنا لا أرید هذا اللقاء :
أرید لقاء الأنس أرید أن التقی بکم وأنا فرح بکم، مبتهج بکم، والفرح والبهجه والأنس تتوقَّف على أن ننصهر بالإمام وأن تکون علاقتنا بالإمام علاقه فنائیه لا ارتباطیه حتَّى یکون لقاؤنا مع الإمام لقاء الأنس،
وإلاَّ فالإمام یتفضَّل علینا باللقاء وهو کریم لکنَّه یرید أن یکرمنا بلقاء یعبّر عنه بلقاء الأنس، فما نطلبه نحن غیر ما یطلبه الإمام منّا.
علاقه العشق بالإمام (علیه السلام):
من المفید الاعتراف بأنَّ علاقتنا بالإمام علاقه سطحیه، علاقه جافّه جدَّاً، علاقه یابسه، ربَّما تکون علاقتنا بأساتذتنا أقوى من علاقتنا بالإمام,
ربَّما تکون علاقتنا بأصدقائنا وأحبّائنا أقوى من علاقتنا بالإمام، ربَّما تکون علاقتنا بمراجعنا وزعمائنا أقوى من علاقتنا بالإمام،
فلذا یجب مراجعه الذوات لتکون علاقتنا بالإمام علاقه حبّ وعشق لا مجرَّد دعاء، فنحن ندعو للإمام ولکن ما یریده الإمام منّا لیس مجرَّد لقلقه لسان فی الدعاء،
بل الإمام المهدی (عجل) یرید علاقه حبّ وعشق کی نکون أهلاً للقائه وأهلاً لتکریمه وأهلاً لتشریفه.