الخطبه العربیه لقائد الثوره الاسلامیه فی صلاه جمعه طهران

الخطبه العربیه لقائد الثوره الاسلامیه فی صلاه جمعه طهرانReviewed by مدیریت پرچم های سیاه شرق on Feb 10Rating:

مرّ عام مفعم بالحوادث، فلأول مرّه فی تونس ومصر روعیت حرمه رأی الشعب، وأدلت الجماهیر بصوتها للتیار الإسلامی. وسیکون الأمر فی لیبیا على هذا النحو أیضاً. وهذا التوجه الإسلامی المتصف برفض الصهیونیه والدکتاتوریه، وبطلب الاستقلال والحریه والتقدم تحت رایه القرآن، سیکون المسیر الحتمی والإراده الحاسمه لجمیع الشعوب الإسلامیه. هذه الموجه التی فتحت صفحه جدیده فی تاریخ إیران الإسلام أیضاً قبل ثلاثه عقود فی مثل هذه الأیام (الثانی والعشرین من شهر بهمن المصادف  للحادی عشر من شباط) وأنزلت أول ضربه بجبهه أمریکا والناتو والصهیونیه، وأطاحت بأکبر دکتاتور علمانی عمیل فی المنطقه.. أصبحت فی الأیام نفسها وبالطریقه ذاتها وبالمطالیب عینها تعمّ الشرق الأوسط الإسلامی والعربی بأجمعه و الحمد لله.
إنّ إراده الله سبحانه شاءت لهذه الشعوب أن تستیقظ. فقد حلّ قرن الإسلام وعصر الشعوب، وسیکون له التأثیر على مصیر کل البشریه. أما کان تدفّق الشباب والمثقفین فی واشنطن ولندن ومدرید وروما وأثِنا بإلهام من میدان التحریر؟!

 

لقد عمّت نهضه العوده إلى الإسلام واستعاده العزّه والهویّه والانعتاق أکثر مناطق العالم الإسلامی حساسیّه، وفی کل مکان یرتفع شعار «الله أکبر». الشعوب العربیه لم تعد تتحمل الحاکم الدکتاتور وسیطره العملاء والطواغیت. لقد ضاقت ذرعًا بما تعانیه من فقر وتخلّف وتحقیر وعماله. وجرّبت العلمانیه فی ظل الاشتراکیه واللیبرالیه والقومیه، ورأت أنها جمیعاً وصلت إلى طریق مسدود. الشعوب العربیه طبعاً ترفض أیضاً التطرف والعنف الطائفی والعوده إلى الوراء، والنعرات المذهبیه والسطحیه الساذجه المغلَّفه بالإسلام.
انتخابات تونس ومصر وشعارات وتوجّهات الشعوب فی الیمن والبحرین وسائر البلدان العربیه تدلّ بوضوح أنهم یریدون أن یکونوا مسلمین معاصرین دونما إفراط متعجرف أو تفریط متغرّب، وبشعار «الله أکبر» یریدون ضمن مشروع إسلامی وبالتألیف بین المعنویه والعداله والتعقّل وبأسلوب السیاده الشعبیه الدینیه، أن یتحرّروا من قرن من التحقیر والاستبداد والتخلّف والاستعمار والفساد والفقر والتمییز. وهذا هو الطریق الصحیح.

ما هی خصائص الأنظمه العربیه التی تعرضت لغضب شعوبها؟
إنها معارضه التوجه الدینی، والخضوع، والاستسلام والعماله للغرب.. أی أمریکا وبریطانیا ونظائرهما، والتعاون مع الصهاینه وخیانه القضیه الفلسطینیه، والتسلط الدکتاتوری الأسَری والوراثی، وفقر العباد وتخلّف البلاد، إلى جانب الثروات الطائله للعوائل الحاکمه، والتمییز وانعدام العداله، وفقدان الحریه القانونیه والمسائله القانونیه، کل هذه من الخصائص المشترکه لتلک الأنظمه.
حتى التظاهر بالإسلام أو الجمهوریه فی بعض المواضع لم یستطع أن یخدع الجماهیر. هذه أوضح العلامات لمعرفه طبیعه نهضه الشعوب العربیه، سواء تلک التی حققت انتصارات کبیره، أو التی ستحقق ذلک بإذن الله تعالى.
کل ادعاء آخر بشأن طبیعه هذه الثورات التی انطلقت بشعار «الله اکبر» إنما هو تجاهلٌ للواقع من أجل أهداف مبطَّنه وبالتالی لدفع هذه الثورات نحو الانحراف.

هذه الأصول ستکون معیاراً لمستقبل هذه الثورات ومیزانًا لمدى أصالتها أو انحرافها، فإن الأشیاء تُعرف بأضدادها، وتعرف الثورات بضدّیتها للأنظمه التی تزلزلت بفعلها. الثوریون یجب أن یواصلوا حذرهم من افتعال الأهداف الموهومه ومن محاولات تغییر الشعارات.

إنّ الغرب یسعى دون شک إلى أن یبدّل الثورات إلى ثورات مضادّه، ویحاول فی النهایه أن یرمّم النظم القدیمه بأسلوب جدید، لیبُقی سیطرته على العالم العربی لعشرات أخرى من السنین، وذلک بتفریغ مشاعر الجماهیر وبالتقدیم والتأخیر بین الأصول والفروع، وتغییر صنائعه وإجراء إصلاحات شکلیه متصنّعه، والتظاهر بالدیمقراطیه.

إنّ الغرب خلال عقود الیقظه الإسلامیه وخاصه فی السنوات الأخیره بعد أن مُنی بهزائم متلاحقه من إیران وأفغانستان حتى العراق ولبنان وفلسطین والآن من مصر وتونس وغیرها، سعى بعد فشله فی نهج محاربه الإسلام واللجوء إلى العنف العلنی، إلى نهج آخر وهو اصطناع البدیل الکاذب والنموذج المزیّف، کی یجعل الإرهاب المعادی للإنسانیه بدل العملیات الاستشهادیه، و یجعل التعصب والتحجّر والعنف بدل التوجه الإسلامی والجهاد، والتعصب القومی والقبلی بدل الشعور بالانتماء الإسلامی والانتماء إلى الأمه الإسلامیه، و یجعل التغرّب والتبعیه الاقتصادیه والثقافیه بدل التطور القائم على أساس الاستقلال، والعَلمانیه بدل العِلمیّه، والمداهنه بدل العقلانیه، والفساد والفوضى بدل الحریه، والدکتاتوریه باسم حفظ الأمن والنظام، والروح الاستهلاکیه والالتصاق بالأهداف الدنیویه التافهه والبذخ باسم التنمیه والرقی، والفقر والتخلف باسم الزهد والمعنویه.

إن ما کان علیه العالم من انقسام إلى قطبین متصارعین حول القوه والثروه وهما الرأسمالیه والشیوعیه قد انتهى، والیوم فإن الاستقطاب بین مستضعفی العالم بقیاده النهضه الإسلامیه وبین المستبکرین بقیاده أمریکا والناتو والصهیونیه.

لقد برز إلى الساحه معسکران ولا معسکر ثالثاً لهما.

لا أرید فی هذه الفرصه القصیره أن استغرق فی استعراض الماضی وفی تثمین یقظه الشعوب العربیه. إننا والعالم بأجمعه دون شک نرنو إلى المنطقه، وننظر بعین التقدیر لشعوبها الناهضه من الجزیره العربیه وحتى شمال أفریقیا. لکنی أرید أن أتحدث عن الحاضر والمستقبل.
إننی فی العام الماضی ومن هذا المنبر فی صلاه الجمعه تحدثت إلى الشعب المصری النبیل حین کان ظلّ اللامبارک حسنی یثقل على رؤوسهم، والیوم قد بدأت مرحله جدیده والدکتاتور یمثل أمام المحکمه، وکلنا یحدونا الأمل بمستقبل نهضه مصر العزیزه وسائر العرب النشامى.

أطرح أولاً هذا السؤال: ماهی الأطراف المختلفه الحاضره فی ساحه الثورات؟
إنها طبعاً أولاً: أمریکا والناتو والنظام الصهیونی ومن لفّ لفهم وانخرط معهم فی بعض الأنظمه العربیه.
وثانیاً: الجماهیر عامه والشباب.
وثالثاً: الأحزاب والناشطون السیاسیون الإسلامیون وغیر الإسلامیین.
وما هی مکانه کل واحد من هذه الأطراف وما هی أهدافه؟
الفریق الأول: هم الخاسرون الأصلیون فی مصر وتونس وفی سائر البلدان الناهضه.
إنّ مشروعیه وها هی الیوم موجودیّه القطب الرأسمالی والنموذج اللیبرالی الدیمقراطی الغربی یتعرض فی داخل أوربا وأمریکا أیضاً لخطر الاضمحلال.

وأصبحت بلدان هذا المعسکر فی وضع یشبه وضع المعسکر الشرقی فی الثمانینات من القرن الماضی. فالانهیارات الأخلاقیه والاجتماعیه، والأزمات الفریده الاقتصادیه، والهزائم العسکریه الکبرى فی العراق وأفغانستان ولبنان وغزّه، وسقوط أو تزلزل أکثر النظم الدکتاتوریه العمیله التابعه لهم فی البلدان المسلمه والعربیه، وخاصه فقدانهم مصر، وتعرض الکیان الصهیونی للخطر من الشمال والغرب ومن داخله بشکل لم یسبق له نظیر، وانفضاح طبیعه التبعیه والذیلیه للمنظمات الدولیه، والتعامل السیاسی والمزدوج مع مسأله الدیمقراطیه وحقوق الإنسان، ووقوعهم فی المواقف المتناقضه والمضطربه والمزدوجه تجاه مسائل لیبیا ومصر والبحرین والیمن. کل ذلک قد عرّض هذه المجموعه الأولى إلى أزمه ثقه عالمیه وأزمه عمیقه فی قدره اتخاذ القرار.
إنّ هدفهم الأکبر الیوم بعد عجزهم عن قمع الشعوب والسیطره علیها هو السعی للسیطره على غرفه قیاده الثورات واختراق الأحزاب الفاعله، وحفظ ما أمکن من هیکل الأنظمه الفاسده الساقطه والاکتفاء بالإصلاحات السطحیه والمسرحیه، وإعاده بناء عملائهم فی داخل البلدان الثائره، ثم اللجوء إلى عملیات تطمیع وتهدید. وقد یلجأون فی المستقبل إلى الاغتیالات أو شراء ذمم بعض الأفراد والجماعات من أجل وقف عجله الثورات أو دفعها إلى الخلف، وبثّ الیأس فی قلوب الجماهیر أو إشغالها بصراعات داخلیه بإثاره مسائل فرعیه، وإضرام نیران العصبیات القومیه والقبلیه أو الدینیه أو الحزبیه واختلاق الشعارات المنحرفه لتغییر الثورات، والتأثیر المباشر أو غیر المباشر على أذهان الثوریین وألسنتهم، ودفعهم إلى ألاعیب سیاسیه أو إثاره الفُرقه بینهم ثم توسیع نطاق هذه التفرقه لتشمل فئات الناس، والسعی للمساومه خلف الکوالیس مع بعض الخواص بالوعود الکاذبه کالمساعدات المالیه وغیرها وغیرها من عشرات الحیل الأخرى مما أشرت إلى نماذج منها من قبل فی المؤتمر العالمی للصحوه الإسلامیه بطهران.

إنّ بعض الأنظمه التابعه والمحافظه العربیه أیضاً تقف إلى جانب أمریکا والناتو، ولو من أجل حفظ کراسیها، وتسعى بکل قواها لإیقاف عجله الزمن ودفع ثورات المنطقه إلى الوراء أو سوقها نحو طریق مجهول، ورأسمالهم الوحید فی هذه المساعی دولارات النفط، وهدفهم الأساس هزیمه الشعوب فی مصر وتونس والیمن والبحرین.. وحفظ ثبات الکیان الصهیونی وضمان بقائه وإنزال الضربه بجبهه المقاومه فی المنطقه.

أما المجموعه الثانیه والأصلیه فهی الشعوب.
ماذا ترید الشعوب؟
أرقام الإحصائیات الأمریکیه المکرره فی مصر وأکثر البلدان الإسلامیه تکشف عن الواقع وتقول لهم: إن میزان التوجه نحو المساجد والالتزام بالمظاهر الإسلامیه ومنها الحجاب والزیّ الإسلامی للمرأه قد ازداد – خلال السنوات الخمس من ألفین وثلاثه إلى ألفین وثمانیه- بنسبه أربعین إلى خمس وسبعین بالمائه بین الشعوب من مصر والأردن حتى ترکیا ومالیزیا وغیرها من البلدان الإسلامیه.

کما ازداد میزان السخط والنفور من أمریکا بمعدل خمس وثمانین بالمائه فی البلدان العربیه والإسلامیه وقد تضاعف الأمل بالنصر والمستقبل بین الشباب خاصه بعد مشاهده انتصارات شباب حزب الله وحماس فی حربی الثلاثه والثلاثین یوماً والإثنین وعشرین یوماً وبعد اندحار وهزیمه أمریکا دونما مکاسب من العراق.

الشخصیات المحبوبه بین شباب مصر، وفق تلک الإحصائیات، هم المجاهدون المسلمون ضد الکیان الصهیونی.
النفره من الصهیونیه، والاهتمامُ بالقضیه الفلسطینیه والتمسکُ بالعزّه الإسلامیه من الخصائص الأصلیه للشعوب. خمسٌ وسبعونَ بالمائه من الشعب المصری أدلى بصوته لصالح الشعارات الإسلامیه. فی تونس أیضاً رفعت الأکثریه هذا اللواء، وفی لیبیا فإن النسبه إن لم تکن أکثر فلیست بأقل.

والشعوبُ تطلب من مندوبیها ومن الحکومات الجدیده تحقیقَ هذه الأهداف نفسِها أیضاً فی المستقبل. الشعب یرید مصرَ عزیزهً کریمه ومحترمه وحرّه، لا یرید مصر کمب دیفید. لا یرید مصرَ الفقیرهَ والتابعه، لا یرید مصرَ الخاضعهَ لأوامر أمریکا والحلیفه لإسرائیل، لا یرید مصرَ متحجرهً ومتطرفهً ولا مصر متغرّبهً وعلمانیهً وتابعه. مصرُ الحرهُ العزیزه والإسلامیه والمتطورهُ هی المطلبُ الأساس للشعب والشباب ولا یبغون اصطداماً. جیشُ مصر مع الشعب، وهناک فی داخل مصر وخارجها من یرید الوقیعهَ بین الجیش  والشعب فی المستقبل، على الجمیع أن یکونوا على حذر شدید. الجیش المصری سوف لا یتحمّل� نفوذ أمریکا وحلفاء إسرائیل.

کذلک فإن الحدیث حین یدور حول التوجه الإسلامی فی مصر أو تونس أو لیبیا فإنه إسلام رسول الله (صلى الله علیه وآل وسلم) هذا الإسلام الذی شمل فی المدینه أهلَ الذمه من المسیحیین والیهود بالرحمه والأمن، ولیس الإسلام بمعنى إثاره الحروب الدینیه بین عباد الله، ولا بمعنى الحرب المذهبیه والطائفیه بین المسلمین. مصر هی مصر دار التقریب بین المذاهب الإسلامیه والشیخ شلتوت.

على أهلنا فی مصر وتونس ولیبیا أن یعلموا أن ما حققوه هو ثوره لم تکتمل، فهم وإن قطعوا خطوات رحبه، فإنهم فی بدایه طریق ذات الشوکه. العقبات التی أوجدوها أمامنا بعد انتصار الثوره الإسلامیه فی إیران ولا تزال مستمره، وقد فشلت بفضل الله ورحمته الواحده تلو الأخرى، هذه العقبات فاقت مئات المرات ما کان أمامنا قبل سقوط نظام الشاه. لابدّ من التحلّی بالیقظه وبدفع عجله الثوره خطوه فخطوه حتى آخر المراحل ضمن برنامجٍ متوسطِ الأمد وطویلِ الأمد.

نظام طواغیت مصر کان أول حکومه عربیه خانت القضیه الفلسطینیه وفتح الطریق أمام التراجع العربی، حتى أن الأنظمه العربیه إلا واحداً – هو سوریا – باعوا فلسطین، واتجهوا إلى مصالحه الصهیونیه. إن النظام المصری البائد کان أحد نظامین عربیین هما موضع ثقه أمریکا وإسرائیل. والرئیس الأمریکی المرائی الحالی اختار مصر حسنی مبارک لیوجّه رساله الخداع والنفاق إلى المسلمین، لکن الشعب المصری فی ثورته أعلن موقفه بوضوح، وأزال الأوهام من أذهان الجمیع.

إن مصر الیوم یجب أن تستعید دورها فی الخط المقدم للدفاع عن القضیه الفلسطینیه، وأن تسحق بأقدامها معاهده کمب دیفید الخیانیه وتحرقها. مصر الثوره لم تعد تستطیع أن تغدق بالطاقه والغاز على الکیان المتدهور الإسرائیلی على حساب قوت الشعب المصری ومعاناته.

أما مخاطبنا الثالث فهم الأحزاب والنُخب السیاسیه فی مصر وسائر البلدان الناهضه.
إن المفکرین والمناضلین الإسلامیین فی شمال أفریقیا من مصر وتونس وحتى الجزائر والمغرب، وخاصه مصر،کانوا یحتلون مکانه الأبوّه الفکریه للصحوه الإسلامیه، ولدعاه وحده الأمه وعزّتها، ثم لتحریر القدس. أنتم الیوم ترثون دماء آلاف الشهداء وعشرات الآلاف ممن عانوا زنزانات السجون والنفی والتعذیب، وما بذله المجاهدون والمناضلون ممن قدموا التضحیات خلال عقود متوالیه فی انتظار بزوغ فجر مثل هذه الأیام وهذه الانتصارات.

أیها الإخوه والاخوات. حافظوا على هذه الأمانه الکبرى. الغرور والسذاجه آفتان کبیرتان لمرحله ما بعد الانتصار الأول. أنتم تتحملون المسؤولیه الأکبر فی ساحه إقامه النظام وصیانه مکتسبات الشعب وحلّ مشاکل النهضه. القوى العالمیه والإقلیمیه التی نزلت بها الضربه تخامر ذهنَها دون شک أفکار شیطانیه من التفکیر بالحذف والانتقام إلى مشروع ممارسه المکر والتزلزل والإخافه والتطمیع بحقکم، وبالنهایه تفکر فی الإطاحه بالثورات وخلق أوضاع أسوأ مما کانت علیه و العیاذ بالله.

إن قراراتکم ومواقفکم وإقداماتکم ستکون لها أبعاد تاریخیه، وهذه المرحله هی «لیله القدر» فی تاریخ بلدانکم.

لا تثقوا بأمریکا والناتو. هؤلاء لا یفکرون بمصالحکم ومصالح شعبکم. وکذلک لا ترهبوهم. فهؤلاء واهون ویزدادون ضعفًا بسرعه. حاکمیتهم على العالم الإسلامی کانت فقط نتیجه خوفنا وجهلنا خلال مائه وخمسین عامًا. فلا تعقدوا علیهم الآمال، ولا تخافوهم . اعتمدوا فقط على الله سبحانه و ثقوا فقط بشعبکم . هؤلاء انهزموا فی العراق وخرجوا بخفّی حنین. وفی أفغانستان لم یکسبوا شیئًا، وفی لبنان انهزموا أمام حزب الله، وفی غزّه أمام حماس. وها هم الآن ینزلون من صیاصیهم فی مصر وتونس بید الشعب. لم یتحقق أی تقدم فی برنامجهم. الصنم الغربی قد انهزم مثل الصنم الشیوعی وانهار جدار خوف الشعوب، فاحذروا أن یعیدوا إلیکم الشعور بالخوف فی المستقبل.
إحذروا ألاعیبهم، وکذلک احذروا ألاعیب الدولارات النفطیه لعملاء الغرب وحلفائه من العرب، إذ سوف لا تخرجون بسلام فی المستقبل من هذه الألاعیب. إسرائیل زائله لا محاله  ولا ینبغی أن تبقى وسوف لا تبقى بإذن الله تعالى. بدء الانحراف فی الثورات الراهنه هو الرضوخ لبقاء الکیان الصهیونی، ومواصله محادثات الاستسلام التی وضعت أساسها الأنظمه الساقطه.

المطلب الأساس لشعوبکم العوده إلى الإسلام، وهو لا یعنی طبعًا العوده إلى الماضی. لو أن الثورات حافظت بإذن الله على طابعها الحقیقی واستمرت ولم تتعرض للتآمر أو الاستحاله، فإن المسأله الأساس لکم هی کیفیه إقامه النظام وتدوین الدستور وإداره شؤون البلاد والثورات. وهذه هی نفسها مسأله إعاده بناء الحضاره ا لإسلامیه فی العصر الحدیث.

فی هذا الجهاد الکبیر، مهمتکم الأصلیه ستکون جبران ما عاناه بلدکم فی حقب التخلف، والاستبداد، والابتعاد عن الدین، والفقر، والتبعیه، فی أقصر مدّه بإذن الله، وستکون کیفیه بناء مجتمعکم بتوجّه إسلامی وبأسلوب حاکمیه الشعب مع مراعاه العقلانیه والعلم، وتتجاوزوا التهدیدات الخارجیه واحده بعد أخرى، وکیف تؤسسون «الحریه والحقوق الاجتماعیه» بدون اللیبرالیه، و«المساواه» بدون «المارکسیه»، و«النَّظم والانضباط» بدون «الفاشیه الغربیه». حافظوا على التزامکم بالشریعه الإسلامیه التقدمیه دون أن تقعوا فی جمود وتحجّر، واعرفوا کیف تکونون مستقلین دون أن تنزووا، وکیف تتطورون دون أن تکونوا تابعین، وکیف تمارسون الإداره العلمیه دون أن تکونوا علمانیین ومحافظین.

تجب إعاده قراءه التعاریف وإصلاحها. الغرب یقترح علیکم نموذجین: «الإسلام التکفیری» و«الإسلام العلمانی»، وسوف یواصل التلویح بذلک کی لا یستقوی الإسلام الأصولی المعتدل والعقلانی بین ثورات المنطقه. استعیدوا تعریف الکلمات مره أخرى وبدقّه.

إذا کانت «الدیمقراطیه» بمعنى الشعبیه والانتخابات الحره فی إطار أصول الثورات فلتکونوا جمیعاً دیمقراطیین. وإذا کانت بمعنى السقوط فی شراک اللیبرالیه الدیمقراطیه التقلیدیه ومن الدرجه الثانیه فلا یکن أحد دیمقراطیاً.

و«السلفیه» إذا کانت تعنی العوده إلى أصول القرآن والسنه والتمسک بالقیم الأصیله ومکافحه الخرافات والانحرافات وإحیاء الشریعه ورفض التغرّب فلتکونوا جمیعًا سلفیین، وإذا کانت بمعنى التعصّب والتحجّر والعنف فی العلاقه بین الأدیان أو المذاهب الإسلامیه فإنها لا تنسجم مع روح التجدید والسماحه والعقلانیه التی هی من أرکان الفکر والحضاره الإسلامیه، بل ستکون داعیه لرواج العلمانیه والتخلّی عن الدین.

کونوا متشائمین من الإسلام الذی تطلبه واشنطن ولندن وباریس، سواء من النوع العَلمانی المتغرّب، أو من نوعه المتحجّر والعنیف. لا تثقوا بإسلام یتحمّل الکیان الصهیونی لکنه یواجه المذاهب الإسلامیه الأخرى دونما رحمه، ویمدّ ید الصلح تجاه أمریکا والناتو لکنه یعمد فی الداخل إلى إشعال الحروب القبلیه والمذهبیه. وراء هذا الإسلام من هم أشداء على المؤمنین رحماء بالکافرین.
کونوا متشائمین من الإسلام الأمریکی والبریطانی إذ إنه یدفعکم إلى شَرَک الرأسمالیه الغربیه والروح الاستهلاکیه والانحطاط الأخلاقی.

فی العقود الماضیه کانت النخب وکذلک الحکام یفخرون بمقدار قوه تبعیتهم لفرنسا وبریطانیا وامریکا أو الاتحاد السوفیتی السابق، وکانوا یفرون من النموذج الإسلامی، والأمر الیوم على عکس ذلک.
اعلموا أن الغرب سیکون فی صدد الانتقام.. الانتقام الاقتصادی والعسکری والسیاسی والإعلامی.

لو أن شعوب مصر وتونس ولیبیا وغیرها من الشعوب واصلت طریقها نحو الله بإذن الله فمن الممکن أن تتعرض لهذه التهدیدات.

وأما الکلام الأخیر، فهو إعلان استعداد الجمهوریه الإسلامیه والشعب الإیرانی الکبیر لخدمتکم والتعاون معکم و خدمه بعضنا البعض.
الثوره الإسلامیه الإیرانیه هی التجربه الإسلامیه الأکثر نجاحًا فی العصر الحدیث على صعید إعاده الثقه بالنفس إلى الجماهیر، وإعاده الثقه إلى النخب بالجماهیر، وعلى صعید رفض أسطوره القوه التی لا تقهر للأنظمه الطاغوتیه وأربابها، وفی ساحه کسر غرور الشیوعیه والرأسمالیه، وتقدیم نماذج فاعله للتطورات الکبرى فی البلاد، مع حفظ سیاده الشعب والدفاع عن القیم الأساسیه.

أیها الإخوه و الأخوات، لسنوات یوجهون إلیکم أکاذیب بشأن إخوتکم الإیرانیین، والحقیقه بشأن إیران الإسلام هی هذه التی أبینها لکم:
ثورتنا حقّقت انتصارات فی العقود الثلاثه الأخیره، وکانت لها نقاط ضعف أیضًا. لکن أیه نهضه إسلامیه فی العالم بعد سیطره الغرب والشرق على المسلمین فی القرن الماضی لم تتقدم إلى هذا الحد ولم تتجاوز کل هذه الموانع.

لنا معکم أیها الإخوه حدیث طویل فی المستقبل إن شاء الله. فی الإعلام الرأسمالی وأبواق الصهیونیه العالمیه «إیران» متهمه بالإرهاب ،‌وما ذلک إلا لأنها رفضت أن تترک الإخوه العرب فی فلسطین ولبنان والعراق لوحدهم وأن تعترف بالمحتلین، والحال أننا أکبر ضحیه للإرهاب فی العالم، وهذا الإرهاب لا یزال مستمرًا بحقنا.

لو أن الثوره الإسلامیه والجمهوریه الإسلامیه قد ترکت الإخوه المظلومین فی أفغانستان والبوسنه ولبنان والعراق وفلسطین لشأنهم کما فعلت سائر الحکومات المتظاهره بالإسلام، ولو کنا مثل أکثر الأنظمه العربیه التی خانت القضیه الفلسطینیه، قد آثرنا السکوت وطعنّا من الخلف، لما وصمونا بمسانده الإرهاب والتدخل. نحن نفکر بتحریر القدس الشریف وکل الأرض الفلسطینیه،‌هذه هی الجریمه الکبرى التی یرتکبها الشعب الإیرانی والجمهوریه الإسلامیه!!

إنهم یتحدثون عن التمدد الإیرانی والشیعی، بینما لم نعتبر الثوره الإسلامیه إطلاقًا شیعیه صرفه أو قومیه وإیرانیه، ولن نعتبرها کذلک أبدًا. خلال العقود الثلاثه ما دفعنا ثمنه وتعرضنا من أجله للتهدید إنما هو توجهنا الإسلامی وانتماؤنا إلى الأمه الإسلامیه وشعار الوحده والتقریب المذهبی والحریه والعزّه للمسلمین جمیعًا من شرق آسیا حتى عمق أفریقیا وأوربا.

إیران الإسلام قطعت خطوات رحبه فریده فی ساحه العلم والتقانه والحقوق الاجتماعیه والعداله الاجتماعیه والتنمیه والصحه وتأمین کرامه المرأه وحقوق الأقلیات الدینیه وغیرها من الساحات. ونحن نعرف أیضاً مواضع ضعفنا وبعون الله وقوته نعمل على علاجها إن شاء الله.

معادله المقاومه فی المنطقه قد تغیرت بمساعده الجمهوریه الإسلامیه، وارتقاء الحجر فی ید الفلسطینیین إلى «صاروخ فی جواب الصاروخ» فی غزه وسائر فصائل المقاومه الإسلامیه أمام المحتلین.

إیران لا تستهدف نشر التوجّه الإیرانی أو الشیعی بین المسلمین. إیران تنهج طریق الدفاع عن القرآن والسنه وإحیاء الأمه الإسلامیه. الثوره الإسلامیه تعتقد أن مساعده المجاهدین من أهل السنّه فی منظمات حماس والجهاد، والمجاهدین الشیعه فی حزب الله و أمل واجب شرعی وتکلیف إلهی دونما تمییز بین هذا وذاک. وحکومه إیران تعلن بصوت مرتفع قاطع أنها تؤمن بنهضه الشعوب (لا بالإرهاب)، وبوحده المسلمین (لا بالغلبه والتناحر المذهبی)، وبالأخوه الإسلامیه (لا بالتعالی القومی والعنصری)، وبالجهاد الإسلامی (لا بالعنف تجاه الآخر)، وهی ملتزمه بذلک إن شاء الله.

أسأل الله سبحانه أن یمنَّ على کل الشعوب المسلمه بالسعاده والسؤدد، وأن یوفقنا لفهم مسؤولیاتنا الثقیله والنهوض بها، وأن نعلم بیقین أن الله غالب على أمره.

عباد الله اتقوا الله وکونوا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.أقول قولی هذا وأستغفر الله لی ولکم.
بسم الله الرحمن الرحیم.. إذا جاء نصر الله و الفتح و رأیت الناس یدخلون فی دین الله أفواجاً فسبّح بحمد ربّک و استغفره إنه کان تواباً.
و السلام علیکم و رحمه الله و برکاته. 

About مدیریت پرچم های سیاه شرق

Check Also

ترامپ

مشاور ترامپ: رئیس‌جمهور مشکل تنفسی پیدا کرده است

مشاور ترامپ: رئیس‌جمهور مشکل تنفسی پیدا کرده استReviewed by پایگاه خبری تحلیلی شرق on Oct …